الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

شروط المهنة في الإسلام:

شروط المهنة فيالشرط الأول: أن تكون مباحة:
لأن الكسب المباح هو الذي يبارك للإنسان فيه، قال e ( من يأخذ مالاً بحقِّه يبارَك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع )
ولأن المباح هو الطيب الذي أباحه الله لنا بقوله سبحانه ] يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [ (المائدة:4 ) وجاءت شريعة النبي e داعيةً إلى الاكتساب منه ] يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ [ (الأعراف:157) فكل حلال طيِّب، قال سبحانه ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً [ (البقرة:168 ) والعمل في الحرام عملٌ في الخبائث، وقد حرَّم الله تعالى الخبائث بقوله سبحانه ] وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [ ( الأعراف : الآية 157 )
ولأن المباح لا يلحق العامل فيه الإثم، بل بالعكس من ذلك يناله الأجر إن نوى فيه النية الصالحة كما تقدم في أول الكتاب.
وعكس الطيب الخبيث، وعكس المباح الحرام، فيشترط في الوظيفة أن تخلو من الحرام والخبيث، فلا يجوز العمل بالربا مثلاً؛ لأنه محرم بقوله سبحانه ] يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا [ (البقرة:276) ولا يجوز اكتساب المال بالغشّ كالتطفيف في الكيل، قال سبحانه ] وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [ ( المطففين: 1 - 3)
وكان عبدالله بن أُبيّ بن سلول –زعيم المنافقين- يستغل جاريتين يعملان عنده في اكتساب المال بالزنا قبل الإسلام، فلما أسلمتا تأثَّمتا من ذلك، فأجبرهما، فأنزل الله تعالى فيه وفيهما ] وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ (النور: 33 ) أي غفورٌ رحيم لهنّ لا له.
ولقوله e ( إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به )
وعن أنس t: ( أن رسول الله e لعن في الخمرة عشرة: عاصرها، والمعصورة له، وشاربها، وساقيها، والمسقى له، وحاملها، والمحمولة له، والمشتري، والمشترى له، وآكل ثمنها.)
وعن جابر بن عبد الله t: ( لعن رسول الله e آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، وقال" هم سواء". )  ، وعن أبي جحيفة t : ( نهى رسول الله e عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب البغيّ.)  ، وما تقدم نماذج من الكسب الخبيث، يقاس عليها غيرها من المحرمات.
ولأن العمل وسيلة للكسب والمعيشة، والمعيشة وسيلة لعبادة الله تعالى، والغاية لا تبرر الوسيلة، فإذا كانت الغاية من الخلق هي العبادة، فيجب أن تكون وسيلتها مباحة، لا أن يكتسب الإنسان من الحرام ثم يتصدق به، ويبني به المساجد! قال النبي e ( إن الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ] يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [ (المؤمنون:51 ) وقال ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [ (البقرة:172 ) ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب. ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟!)
ويمكن أن تكون الوظيفة مشتملةً على الحلال والحرام، من خلال رأس مالها، أو بعض أنشطتها، وفي هذه الحالة تكون مشتبهة، والعمل فيها مكروه، لقوله e ( إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه )
والتحريم يتناول جهة النشاط، أو جهة مصدر الدخل، أو جهة مخالفة الأنظمة ...
ومثال ذلك في النشاط التجاري: أن يكون العمل قائماً على نشر المعاملات الربوية، أو صناعة الخمر، أو الأصنام، أو تصوير مفاتن النساء أمام الرجال الأجانب ونحو ذلك، فهذه الأعمال محرمةٌ شرعاً، وما ينبني عليها من أجورٍ محرمٌ أيضاً؛ لأن الله تعالى إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه، ولأن ما يبنى على الباطل فهو باطل. قال e ( لعن الله اليهود، حرم الله عليهم الشحوم، فجملوها ( أذابوها ) فباعوها ) 
ومثال ذلك في مصدر الدخل: أن يكون كل رأس مال العمل ربوياً، أو نتيجة تقديم خدمات محرَّمة، أو تأجير مباني للأنشطة المحرمة شرعاً.
ومثال ذلك في مخالفة الأنظمة: أن يكون العمل المطلوب من الموظف يتضمن دفع رشوة، أو إنتاج أو بيع مواد مخالفة للنظام، كالمنتجات المغشوشة، أو الموادّ الممنوعة صحياً، أو خلُقياً.

الشرط الثاني: أن تكون نافعة:
فالهدف من الوظيفة أن ينفع الإنسان نفسه، ومجتمعه، وبلده، وإخوانه المسلمين، قال e (على كل مسلم صدقة) قالوا: فإن لم يجد؟ قال( يعمل بيده فيتصدق)
والنفع أبوابٌ كثيرة؛ منها الاجتماعي، والاقتصادي، والأخلاقي، ولا خير في وظيفة لا نفع فيها، فضلاً عن كونها ضارّة؛ فإن وقت الإنسان نفيس، فليس من الحكمة تضييعه في عملٍ لا فائدة فيه، قال الله سبحانه ]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [ (الكهف:28) فالكافر أمره فرط لا هدف له في حياته، أما المؤمن فلا يضيع دقيقةً من وقته لا يستفيد منها، كما قيل :
والوقتُ أنفسُ ما عُنِيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
وإذا كان الأمر كذلك فكيف يرضى المسلم أن يعمل في وظيفةٍ لمدة ثماني ساعات خمسة أيام في الأسبوع = 6 أيام في الشهر = 72 يوماً في السنة = أي أن يستنفد من عمره شهرين ونصف سنوياً دون فائدة تعود للمجتمع !! فضلاً عن أن تكون ضارةً له وللبشرية.
والضرر هنا يشمل الضرر المعنوي والأخلاقي والحسِّي؛ فالضرر المعنوي هو الإضرار بعقيدة الإنسان وفكره، كإنتاج أفلامٍ أو إصدارات إلكترونية تشكك في العقيدة الإسلامية، أو تنشر الإلحاد أو النصرانية، أو طباعة الكتب التي تتناول ذلك.
والضرر الأخلاقي هو إفساد أخلاق المجتمع كشركات الإعلام الفاضحة، وإشاعة العري، ومواقع الانترنت الإباحية، ونحو ذلك.
والضرر الحسِّي هو الإضرار بالجسد والصحة، مثل تأسيس شركات التدخين أو الخمور والعمل فيها، أو زراعة المخدرات أو تصنيعها، أو صناعة المنتجات الضارة بالصحة كالأدوية المقلَّدة والمغشوشة، أو تسويق وإنتاج الموادّ الغذائية النباتية والحيوانية المطعّمة بالكيماويات الضارَّة أو المتغذِّية بها.
فإذا تضمنت الوظيفة ضرراً متيقَّناً على النفس، أو المجتمع، أو البلد، حرُمت؛ لأن الضرر منصوصٌ على تحريمه في الشرع، في قوله e ( لا ضرر ولا ضرار )  ،وقوله e ( من ضارّ ضارّ الله به)
وكيف يرضى المسلم أن يستفيد هو على حساب غيره ؟ وإذا كان كل واحدٍ منا لا يقبل الضرر على نفسه من الآخرين، فكذلك ينبغي أن ينظر إلى ما ينتج عن الشركة أو المؤسسة التي يعمل بها، هل فيها إضرارٌ بالآخرين أم لا. فإن النبي e قال( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلتأته منيَّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يأتوه)
وقد يقال إن هذه الأعمال فيها فائدة لبعض الناس من ناحية تجارية أو ترفيهية، والجواب: أن العبرة بالغالب، فقد حرَّم الله تعالى الخمر مع أن فيها منافع للناس؛ قال سبحانه ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [ (البقرة:219)
و نهى الله عن تشغيل النساء والفتيات في البغاء والدعارة مع أن فيها مصلحة تجارية؛ قال عز وجل ]وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [(النور:33)
وكلّ الشركات الربحية فيها منافع اقتصادية لأفراد أو فئات أو دول، ولكن إذا كانت المنافع الاقتصادية والتجارية تتعارض مع المبادئ والقيم فإنها تبطل، وهو ما يعرف شرعاً بالمصالح الملغاة، فالحفاظ على النفوس مصلحة مقصودة ولكنها تلغى في الجهاد في سبيل الله من أجل نشر الدين الذي هو أهم من النفوس، وبناء الكعبة على قواعد إبراهيم مصلحة ولكنها أُلغيَت في أول الإسلام لأنها تتعارض مع ما هو أهمّ منها وهو عدم فتنة الكفار وحديثي الإسلام عن الدين.

الشرط الثالث: ألا تستلزم خلوةً بين الرجل والمرأة:
حرصاً من الشريعة الإسلامية على الحفاظ على الأعراض والأنساب والعفاف شُرِع غضّ البصر، وعدم سفر المرأة وحدها دون محرم، وعدم تبرُّج المرأة أمام الرجال، وعدم الخلوة بين الرجل والمرأة، لقوله عليه السلام ( لا يخلونّ رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان )  وسبب هذا أن الخلوة وسيلةٌ للاتصال المحرم بينهما، والوسائل لها أحكام المقاصد والغايات.
وأماكن العمل من المظانّ التي يكثر فيها الاختلاط بين الجنسين كالمستشفيات، لذا فإن المسلم يحرص على التورُّع عن الخلوة المحرَّمة منعاً للفتنة، وسدّاً للذريعة، وحفاظاً على العفة والسُّمعة، ودرءاً لإساءة الظن.
ومن الأضرار التي يمكن حصولها بالاختلاط بين الجنسين في العمل:
التساهل في النظر بينهما وصعوبة غض البصر
التساهل في الحديث والتبسُّط والتبسُّم والضحك والممازحة وربما اللمس.
التساهل في الخلوة
التزيُّن من كلٍّ منهما للآخر
الاطلاع على العورات غير المقصود
انشغال الذهن عن العمل
فإذا كان ذلك في الاختلاط ففي الخلوة من باب أولى.
وفصل الرجال عن النساء في العمل والدراسة مطلبٌ لا تنفرد به الدول الإسلامية، بل تطالب به النسوة في الدول العلمانية أيضاً من باب الخصوصيَّة، والجديَّة في العمل، ومنع التحرُّشات والمضايقات:
ففي مجال التنقل للعمل: نشرت وكالات الأنباء التالي: قال "جوبرت فلوريس"، المتحدث باسم شبكة قطارات ريو دى جانيرو "مترو ريو" إن ريو دى جانيرو، وهى من أكبر مدن البرازيل خصصت عربات "للنساء فقط" بشبكة قطارات المدينة وفى شبكة القطارات الاقليمية لحماية الركاب الاناث من التحرش الجنسي.
وتشكو النساء بالمدينة بصورة متزايدة من تعرضهن للاحتكاك الجسدى بالرجال فى العربات المكتظة.
والخبر الثاني من نيودلهي – وكالات الأنباء الألمانية: بدأت شركة الخطوط الشمالية للسكك الحديدية بالهند فى تخصيص عدد من عربات القطارات للنساء فقط.
وقامت الشركة بطلاء العربات المخصصة للنساء باللون الاحمر وكتبت عليها من الخارج كلمة "سيدات " باللغة الهندية اضافة الى وضع صورة لسيدة على مدخل كل عربة.
واوضح بى كيه جويل المدير الاقليمى للشركة ان هذا الاجراء اتخذ لتجنيب السيدات اللاتى يسافرن بمفردهن التعرض لاى مضايقات أو ملاحظات غير لائقة.
والخبر الثالث: قال متحدث باسم شركة كيو إلكتريك اليابانية:‏ إن شركته تلقت في العام ‏1999 مئات الشكاوي من السيدات تتركز حول تعرضهن لتحرشات‏، فضلا عن مئات أخري يخشى أصحابها من الإبلاغ عنها‏، مما جعلها تعلن عن عزمها تخصيص عربات منفصلة‏ للسيدات (فقط) في الأوقات المتأخرة من الليل بخطوطها التي تخدم المناطق الغربية من العاصمة‏ خلال فترة إجازات بداية العام الجديد‏.‏
ويذكر أن التحرشات الجنسية بمترو الأنفاق والقطارات تعد أخطر مشكلة تواجه السيدات في اليابان‏، لدرجة أنه تقرر تخصيص شرطة نسائية في المحطات الكبرى لتلقي الشكاوي فيها واعتقال مرتكبيها!
وقد يقال: إن هذه الأخبار لا تدل على المضايقات في العمل، ولكن الواقع أن هذه المشكلات وقعت بسبب خروج المرأة لعملها يومياً بالقطار.
أما في التعليم: فقد أوضح مسئول كبير في البيت الأبيض أن الإدارة تشجع العودة إلى عدم الاختلاط بين البنين والبنات في المدارس العامة في إطار إصلاح التربية, كما أوضح أن المدارس التي تود الفصل بين البنين والبنات ستمنح تمويلاًُ يفوق المدارس التي ستختار الإبقاء على النظام المختلط.
وقال أحد رجال القانون المتخصصين في النظام التربوي بالولايات المتحدة: أن العديد من الدراسات التي أجريت بمساهمة طلاب وطالبات أظهرت أنه في بعض مراحل نموهم,ينجز الفتيان والفتيات دراستهم بطريقة أفضل حين لا يكونون مختلطين.
وفي تجربة قادتها مسؤولة أمريكية عن فصل البنات عن البنين في المدارس الثانوية جاء على لسانها أنه بعد عامين من التجربة أثبت التطبيق الواسع لهذا النظام أن الطالبة في الفصول المتماثلة أكثر قدرة على التفكير وأسرع استجابة لتقبل المعلومة و أكثر تركيزاً واستيعاباً للمادة بدلاً من الانشغال الذهني بزميلها المجاور.

وأحبّ أن أشير هنا إلى أن منع الاختلاط والخلوة لا يعني أن لا تعمل المرأة عملاً تكتسب به ، فالنساء كنّ يبعن ويشترين على عهد النبيe دون إنكار منه.
ويعجب المرء من بعض الأنظمة الدولية التي تقول: إن الفصل المهني بين الجنسين ليس ضاراً بالمرأة فحسب، بل هو أيضاً مصدر رئيسي لفقدان الكفاءة الاقتصادية.
ويتساءل المرء: كيف تحققت الكفاءة الاقتصادية إذاً في المجتمعات الإسلامية الأولى ؟ بل كيف تحققت في المملكة العربية السعودية مع وجود الفصل بين الجنسين ؟ وكيف غابت الكفاءة الاقتصادية مع عدم وجود الفصل بين الجنسين في كثيرٍ من الدول ؟! ومنها الدول الأكثر فقراً في العالَم.

الشرط الرابع: الوفاء بالعقد:
لقوله سبحانه ] يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود[ (المائدة:1)، وقوله عز وجل] وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا[ (???????:34) وقولهe  ( المؤمنون عند شروطهم ) ، ما لم يتضمن العقد محرماً، فإنه لا يجوز حينئذ الالتزام به، لقولهe (من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن اشترط مائة شرط) .
ومن الوفاء بالعقد توفية الأجير أجره تاماً حسب الاتفاق، لقوله عليه الصلاة والسلام ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجلٌ أعطى بي ثم غدر ، ورجلٌ باع حراً فأكل ثمنه ، ورجلٌ استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطِه أجره ) 
فلا يجوز تأخير إعطاء العامل أجره الذي كان ينتظره طويلاً، بل الواجب إعطاءه الأجر بمجرد انتهائه من عمله، أو في الوقت المتفق عليه بينه وبين رب العمل، قال سبحانه يحكي قول ابنة الرجل الصالح ] إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [ ( القصص : 25 ) ، وقال تعالى عن موسى والخضر]  فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً [ (الكهف : 77) ، وقال عليه الصلاة والسلام ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه )  ، وقال e ( مطل الغنيّ ظلم )  ، وقال ( ليُّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته )  والليّ هو المطل – أي التأخير -،
وقد اشتهرت كثيرٌ من الحالات التي أخَّر فيها أرباب الأعمال أجور عمالهم، فأدى ذلك إلى كثرة الجريمة من قبل العمالة الوافدة، والعمل غير النظامي في غير أوقات العمل لتغطية النفقات الشخصية للعامل، والاعتداء على بعض أصحاب الأعمال، والشكاوى في مكاتب العمل تغصّ بذلك، وهو ظلم لا يرضاه الله تعالى ولا المؤمنون، ويجب معاقبة كل من يظلم عباد الله، ويفتح باب الجريمة والفساد في المجتمع بطريقةٍ غير مباشرة، ويخالف نظام العمل الموضوع من قبل الدولة.
وبعكس ذلك في الجانب الإيجابي توجد فئةٌ من أصحاب الأعمال يحسنون إلى العامل فيعطونه أجره قبل انتهاء المدة، أو ينمُّونه له، أو يعطونه أجراً إضافياً إذا رأوا نشاطه، وذلك من الإحسان إلى عباد الله، قال سبحانه ]وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ (البقرة:195 ) ولنتأمل أمانة ذلك الرجل الذي استأجر أجيراً ثم ذهب الأجير دون أخذ أجرته، فماذا فعل رب المال ؟ نماه له حتى جاء وطلبه ! وذلك في حادثة النفر الثلاثة – المشهورة – الذين آواهم المبيت إلى غار، ثم تدحرجت صخرة فسدَّت عليهم الغار ، فتوسلوا إلى الله بأفضل أعمالهم.
قال e ( قال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم، غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمَّرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال: يا عبدالله ، أدِّ إليَّ أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجلك من الإبل والبقر والغنم والرقيق. فقال: يا عبدالله، لا تستهزئ بي. فقلت : إني لا أستهزئ بك. فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً . اللهم فإن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنّا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون ) 
 الإسلام:

هناك تعليق واحد: